lundi 5 août 2019

حدث ما بعد الثورة .....بوعي ما قبل الثورة

مرّت أيام الحداد على الرئيس الراحل لتونس محمد الباجي قايد السبسي رحمه الله و رزق أهله جميل الصبر و السلوان، هي في الحقيقة لم تكن أيام حداد حقيقية إنما مجرد اجراءات بروتوكولية تمثلت في تنكيس الأعلام المعلقة على المباني العمومية، أو الغاء البرامج الترفيهية في المحطات الاذاعية و التلفزية، أو تأجيل الحفلات التي تنظمها وزارة الثقافة، أما على المستوى الشعبي فقد تواصلت الأعراس و الأهازيج و لم ينقطع التونسيين عن احدى عاداتهم المزعجة المتمثلة في الاحتفال بواسطة منبهات السيارات التي تضج بها الشوارع مع مرور مواكب الأعراس هذه المواكب التي لم تتوقف حتى في الأيام الأولى لوفاة المرحوم و ربما تزامن بعضها مع موكب الجنازة، هذا دون أن ننسى الشواطئ و الملاهي التي تواصل نشاطها عادي، و هنا يبرز لنا عامل مقنع من عوامل الهدوء الذي ميز  الشارع التونسي عند اعلان وفاة الرئيس الراحل و بالتالي ما حدث لا علاقة له بالوعي و الحديث المبالغ فيه عن التحضر والثقافة الديمقراطية وعن "الاستثناء التونسي" و هنا مربط الفرس، حيث تعاملنا مع حدث ما بعد الثورة بعقلية ما قبل الثورة.
الحديث عن "الاستثناء التونسيّ" على المستوى الاعلامي له مبرراته و أهمها أن الاعلام التونسي بطبيعته رغم الحرية التي أهدته اياها الثورة لازال رهينا لقوى ما قبل الثورة سواء من حيث التمويل أو النفوذ أو المصلحة و بالتالي فتناوله للجنازة و ما قبلها و ما بعدهايعتبر حملة انتخابية مسبقة للقوى السياسية المتفرعة من نداء تونس و من حزب التجمع العائد إلى الساحة بخطاب الدولة الوطنية و ّالاستثناء التونسي"، فقد سمعنا المعلق التابع للتلفزة الوطنية الذي واكب البث المباشر لجنازة الرئيس يستغل المنبر الذي منح إليه دون مراعاة لقداسة اللحظة ليبث رسائل ايديولوجية من قبيل حرية المراة التعليم و الصحة و غيرها من الشعارات الجوفاء و ليتحدث على انجازات وهمية لبناة الدولة الوطنية و كأنه يتحدث عن أشخاص وجدوا تونس ارضا بدائية و تركوها مثل كوريا أو سنغافورة، كما ركز المعلق في حديثه على حضور عدة شخصيات دون الحديث عن غيرهم و قد ساعده في ذلك المخرج الذي كانت عدسته تلتقط فقط من يريد أن يبرزهم.
وبالوقوف على ربوة الفيسبوك و غيرها من وسائل التواصل الاحتماعي هنا تجد العجب العجاب، حيث دخل الجميع على الخط بما في ذلك جماهير الكرة، التي ربطت لمسة يد في مبارات كرة قدم بعدم اعلان الحداد في بلد ما، كما تعالت الأصوات الشوفينية المقيتة التي استغلت حتى ألوان الثياب في موكب الجنازة لتبرز السمو الوهمي للعرق التونسي، و طبعا طفت على السطح حكاية المرأة التونسية أول قائدة طائرة و أول مهندسة و غيرها... وكأن المرأة في باقي العالم العربي تجلد في الساحات العامة، كذلك تواترت على صفحات التواصل الاجتماعي موجة تجريم لوسائل الاعلام التي طرحت تساؤلات طبيعية حول الوضع ما بعد وفاة الرئيس، وتم اخراج هذه التساؤلات على أنها مؤامرة على الدولة الكبرى التي تهيئ نفسها لاطلاق اقمار صناعية أو لاغراق الأسواق بمنتوجات متطورة، فتعالت خطابات الكراهية و السخرية تجاه شعوب ظروفها جعلتها لا تعيش ما نعيشه نحن من حرية ، و هذا ان دل على شيء فهو يدل على أن وعينا لازال متوقفا عند حدود ما قبل الثورة، هناك في خطاب "المادة الشخمة" التي جعلتنا نظن لعقود أننا أذكى من باقي البشر على وجه الأرض، و أننا الاستثناء و أننا الأحسن في العرب و افريقيا، و أننا دولة بلا ثروات، و طبعا ظللنا نحن نصدق هذه الديباجة و بقيت نخبة صغيرة من المجتمع بفضل عمالتها للشركات الأجنبية تنعم بالثروة و بالجنة الضريبية و باليد العاملة الرخيصة بسبب واقع التشغيل الهش في البلد، و التهميش المتعمد للكفاءات.
لا شك أن تعامل مؤسسة رئاسة الجمهورية مع حادثة وفاة الرئيس الراحل كانت حرفية و منظمة خاصة من الجانب الاتصالي، كما كان تمرير السلطة كان وفق الدستور بطريقة منظمة و هادئة، كذلك موكب الجنازة كان مهيبا و منظما بفضل مجهودات الجيش الوطني و قوات الأمن الوطني، رغم تغييب عدد هام من الشخصيات الوطنية، في حين كان المسمى حسن الشلغومي حاضرا و هنا يجب فتح تحقيق في الموضوع فهذا الشخص كان يعانق القائد الصهيوني افيخداي ادرعي و يدعو له بالنصر و حضور شخص كهذا لا يمكن تبريره بالانفتاح و التسامح و غيرها من اللافتات انما هو عميل لقوة صهيونية اجرامية.
كل هذا النجاح النسبي يعود فقط لسبب واحد هو الحرية التي أتت بها الثورة نعم الثورة التي سخروا منها و سموها ثورة البرويطة في حين أن اسم البرويطة زادها شرفا و ألقا، هنا الثورة منحتنا هذا الهدوء و هذه السهولة في تطبيق القانون، والانسيابية التي تفاعلت بها المؤسسات فيما بينها، فالدستور الذي كتب بعد ثورة البرويطة، كان جامعا ليس لأن من كتبوه عباقرة أو فلتات من الزمن، انما لأنهم كتبوه و هم يتناقشون و يتحاورون  و الشارع و المجتمع يضغط عليهم بكل حرية ووعي.
الحديث عن دولة ديمقراطية لازال مبكرا فالتجربة في بدايتها و ما حدث هو ثمرة من ثمار الثورة، أما هدوء الشارع قد يكون سببه عزوف الناس عن السياسة و عدم اهتمامهم بالشأن العام و هذه رسالة، بل ناقوس خطر،  للسياسيين لبذل جهود أكثر في اقناع الناس و النزول إلى الأرض و عدم الاكتفاء بالبروز الاعلامي، فقط يجب أن نعلم أننا بشر مثل غيرنا و عندنا مشاكلنا و مساوئنا و لسنا الشعب الذكي الفطن "المهف" انما نحن علينا أن نتعاون لبناء بلدنا و توفير ظروف أفضل لكي لا نجد نصف شبابنا يريد ان يغادر البلد عبر المطار اذا كان متفوقا  في دراسته و النصف الآخر يريد أن يغادر عبر القوارب ان كان غير موق في دراسته.
رحم الله شهداء الثورة، رحم الله شهداء الأمن و الجيش، رحم الله رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي

1 commentaire: