mardi 14 janvier 2020

ظل الياسمين


     لازال تاريخ 14 جانفي يأخذ وقته ليُكتب على مهل، فقط لسبب واحد لأنّه لا وجود لقويّ يفرضه علينا أو رابح يكتبه على هواه كما تُكتب سرديّات الحروب والبطولات الوهمية التي عادة ما يكتبها المنتصر، تاريخ 14 جانفي وصل تسعة من العمر ولازال محل جدال ونقاش، والكلّ يقول عنه ويقول فيه، ولكلٍّ الحق في أن يقول عنه ما يشاء، تاريخ فتح باب النقاش على مصراعيه بكلّ حرّية و تلقائية، هو حتما سيكبر ذات يوم أو ذات قرن، وسيبقى خالدا في ذاكرة التونسيين وذاكرة الانسانية، هو باختصار ذكرى ثورة الياسمين التونسيّة التي فاجأت الجميع، حيث اجتمع الناس ذات يوم في مكان ما على أرض تونس، هو شارع بورقيبة الذي كان قبل ذلك التاريخ مكان جافّ قاحل، رمادي من الأعلى ومن الأسفل، يجب أن تمرّ فيه صامت وأن تكون حذرا في حركاتك ولباسك و أنفاسك، الناس إذن اجتمعوا هناك بكلّ شجاعة وصاحوا في وجه البنايات الجامدة والمخيفة، لم ينظروا إلى بعضهم نظرة ساخرة أو متعالية ولم يتقززوا من روائح بعضهم لأن العطر المنتشر آنذاك هو عطر الياسمين، التصقت اجسادهم ببعضها ككتلة واحدة، والأجمل من ذلك أنّهم كانوا في كامل أناقتهم، وكأنّهم في احتفال، صاحوا ورفعوا الشعارات، والأقفاص المفتوحة، وغنت الفنانة آمال المثلوثي أغنيتها الشهيرة  "أنا حرّة وكلمتي حرّة" وحضرت كلّ الأعمار والفئات، وحضر المسرحي والمغني والرياضي و الرسّام، فعلا المشهد كان احتفاليّا رغم خطورة الوضع حولهم وفي كامل البلاد، ورغم الأيام الصّعبة والمرعبة التي شهدتها البلاد، وتساقط الشهداء تباعا بداية من البوعزيزي الذي احترق ظلما وقهرا إلى الشهيدة منال بوعلاّقي في مدينة الرقاب إلى الأستاذ الجامعي حاتم بن طاهر في مدينة  دوز، 14 جانفي هو اليوم الختامي و الأهمّ رغم أهميّة تاريخ 17 ديسمبر تاريخ البداية، لأنّه يوم لا خوف بعده ويمكن أن نقول كلّ شيء، أمّا التقييم لازال باكرا عليه، فقط بقيت ثنائيّة مملة ومزعجة أحيانا صنعها الاعلام بدرجة أولى اضافة الى القوى المالية والسياسية المؤثرة، هي ثنائية ما بعد 14 جانفي وماقبله، ثنائية أخذت أوجها في سنة 2013 وصنعت على اساسها أحزاب حكمت البلاد ونهلت من خزان انتخابي أخذه الحنين إلى الماضي "المجيد" وأخذت صورة بن علي  اشعاعها خاصة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي خلال سنتي 2013 و 2014  استفاد منها من كانوا سابقا أذيالا للنظام لا يجرؤون على التقدم لمنصب شعبة في أحيائهم، حيث وصلوا الى مجلس النوّاب بفضل مناخ الحرّية والدّيمقراطية، ونالوا مناصب في عدة وزارات على غرار وزارة التربية والمالية والخارجية وغيرها، اضافة الى مختلف المناصب في كامل تراب الجمهورية، ومع ذلك لم يقدموا انجازا يذكر، ولم يعيدوا "أمجاد" الماضي الوهمية، ليس لأنهم كانوا عباقرة قبل 2011 وانّما لأن الإعلام قبل الثورة يمدحهم مهما فعلوا وكلّ من يحتج عليهم يسجن أو يطرد من عمله، مشاركة النظام السّابق بكثافة في السلطة خاصة بعد انتخابات 2014 يثبت أوّلا أنّ ليس لديهم عصا سحرية، و يثبت ثانيا أنّ المقارنة بين زمنين ما بعد وما قبل الثورة هي مقارنة لا معنى لها وليست معيارا فعّالا لتقييم ثورة أهدتنا أثمن شيء وهو الحرية ودفعنا فيها أثمن شيء دماء شهدائنا، شهدائنا الأبطال الذين وقفوا بشجاعة في زمن عزت فيه الشجاعة.
ومع ذلك فلنقارن بعض المقارنات الخفيفة والمفهومة بعيدة عن النظريات الكبرى، فلنبدأ أولا بأسعار المواد الاستهلاكيّة، هي فعلا كانت اسعارا جنونية بعد الثورة لعدّة أسباب وليست الثورة السبب الوحيد حيث كان نسق ارتفاع الأسعار قبل الثورة أكثر بكثير لأننا نقارن فقط بين 2010 و 2019، ولو قارنّا بين 2000و 2009 لوجدنا نفس نسبة الارتفاع أو أكثر دون زيادة في الأجور ودون مفاوضات اجتماعيّة، ثانيا بعض الأزمات التي تحدث أحيانا، كانت تحدث سابقا دون أن نتكلّم عنها، فقد عاشت البلاد أزمة ثلوج 2005 وقتها كان عفيف الفريقي المذيع التجمعي الذي يتمتع براتبه كمذيع وله منصب كمحاباة له وهو منصب مدير مدرسة تونس الرقمية، يتصل برئيس شعبة منطقة حليمة وهو من المهرّبين ليتحدث في الاذاعة الوطنية عن الدفء والنشاط في منطقة حليمة في حين أن الناس آنذاك استنجدوا بالسلطات الجزائرية بعدما حاصرتهم الثلوج، عفيف الفريقي اليوم يتمتع أيضا فهو رئيس جمعية الوقاية من حوادث الطرقات ويستغل مأساة عمدون لينتقد الوزير والمدير والسلطة والأمن والعجلات بكل حرية،
 كما حدثت أزمة ستار أكاديمي سنة 2007 وقتها كانت الحصيلة 7 وفيات وأكثر من ثلاثين جريح، وقتها الاعلام الرسمي نسبها للتدافع في حين أن منظم الحفل وهو ابن أحد أصهار الرئيس قد باع عدد من التذاكر أكثر من طاقة استيعاب الفضاء المخصص للحفل، فقط آنذاك الصحفي سليم بوخذير كتب في موقع نواة عن المأساة،
ثالثا، تقوم الدولة بعد الثورة ببعض المنجزات وبفضل الحرية يمكن أن ننتقدها، مدينة الثقافة مثلا بشكلها الحالي البديع، سنة 2007 كانت أرضا بيضاء، تمّ تقديم المجسّم من طرف الشركة التشيكية، المجسّم كان يبث يوميا في النشرات الاخبارية وكأنه موجود على أرض الواقع لمدح انجازات المخلوع، والاحتفاء بعشرين سنة من التحوّل، لكن بعد سنتين من العمل صارت أزمة وتوقّف المشروع دون أن يتحدّث الاعلام في الموضوع، في حين أنّه بعد الثورة تمّ استكمال المشروع وهاهي مدينة الثقافة منارة من منارات تونس، يوم تدشينها لم يكن يوم مدحيّات وعكاظيات، انّما حفل بسيط يعكس تراث البلاد وهويتها، بل بالعكس كان للنّاس امكانية انتقاد المشروع والتقليل من شأنه بكل حرية،
هي مقارنات تفتح الطريق أمامنا لنبتعد عن الثنائيات المتحجرة، ونفتح مجالا لتنسيب الأمور فالبلاد قبل الثورة كانت دولة منظمة وفيها قوانين و ادارة ومؤسسات لكن الحياة آنذاك لم تكن وردية وكانت هنالك مشاكل كانت الثورة نتيجة لها، والحياة الآن ليست وردية، نحن فقط لم نتغيّر كثيرا، ومع ذلك تغيّرنا، وصرنا نرى بعضنا لأنّنا نتكلّم، حيث يقول سقراط "تكلّم حتى أراك"، نفس مشاكلنا لازالت متواصلة، الفقر والتهميش و البطالة والفساد وتأخر الادارة التي لازالت تحنّ للماضي، أما على المستوى السياسي فبلادنا باتت مرجعا في الالتزام بالقوانين والدّستور فقط التجربة ستعلّمنا كيف نبني أحزابا نساهم فيها فقط ببطاقة انخراط وليس أحزابا يغرقها رجال الأعمال بنفاياتهم المالية للتهرب من الضرائب، وسنختار يوما من يأخذنا إلى المستقبل وليس من يذكرنا بالماضي،
رغم خطاب التيئيس الطاغي على المشهد، لازال على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، والشهداء الذين رفضوا أن يسقوا ماء الحياة بذلّة من أجلهم نشرب بعز كأس الحنظل، رحم الله شهداء الثورة المجيدة



2 commentaires:

  1. إن شاء الله ربنا يسترها على كل الدول العربية

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. رائعة:إنشاءالله ربي يسترها كل الدول العربية

      Supprimer