vendredi 15 juillet 2016

يوم حزين

كانت أمسية صيفية عادية، أمسية طال انتظارها بعد ظهيرة ساخنة، كنا نتحدث في كل شيء، نفكر في كل شيء، كنا نبحث عن ابتسامة، عن كلمة طريفة ، عن ذكريات جميلة، كنا نتساءل عن مواعيد بعض الأعراس، و نتساءل عما حضرنا لها من ترتيبات و ملابس جديدة، رغم يقيننا أن ما في الأعراس من مراسم و شكليات، بات مكلفا، تحدثنا عن الأسعار المرتفعة و عن صعوبة العيش، مزحنا، و أكلنا و بحثنا في التلفاز عن مسلسل أو مسرحية أو أغنية، متفادين القنوات الإخبارية المؤلمة، متفادين أخبار الموت لأننا لم نكن نرغب في التفكير فيه في تلك اللحظات، لكنه باغتنا، نعم باغتنا الموت و تدفق عبر أصوات هواتفنا، في غفلة منا صاحت كل هواتفنا مولولة و بدت أصواتها مخيفة كما لو أنها أصوات صفارات انذار، امتدت الأيادي مرتعشة، و فتحت الهواتف، كان الخبر الوحيد هو الموت، فتغيرت الأجواء و عم القلق و تواترت التساؤلات و الاستفسارات، فالكل يتساءل، متى و أين و كيف ماتت؟ و سأل آخر و من هي التي ماتت؟ أجبت بهدوء، إنها حدا بنت خالي...صمت الجميع ثم بدأنا نفكر فيما يجب القيام به، كانت والدتي متوترة، حاولت تهدءتها حفاظا على صحتها، ثم استقر رأينا على التوجه مباشرة لمنزل بنت خالي، وصلنا في نفس وقت وصول جثمانها إلى البيت، في ليلتها الأخيرة، تغير الطقس و تراكمت سحب داكنة في سماء قرية الكحالة مسقط رأس والدتي و أخوالي و أبناء أخوالي، هبت رياح خفيفة باردة كرياح الخريف حاملة معها غبارا يتسرب عنوة في العيون و كأنه يريد أن يستفزها، لتهدر بعض العبرات، ثم لسعت وجهي بعض أعواد التبن الذي تذروه الرياح، ربما هو غبار و تبن آت من البيدر حيث ماتت بنت خالي، رحمها الله، لقد ماتت بسبب حادث شغل حقيقي، بعد يوم مضني حصدت فيه كمية من السنابل بمنجل يدوي صغير، ثم جمعت سنابل القمح لتقوم بدرسها بواسطة الآلة الدارسة و هي آلة مجرورة بواسطة الجرار، وهي الآلة الوحيدة التي يمكنها أن تدخل الكحالة بسبب رداءة الطريق المؤدي إلى هذه القرية الغنية و التي يسكنها أناس يحبون الأرض و يحبون العمل و الزراعة و المواشي و الدواب، بنت خالي كانت تجمع بضع قناطر من القمح، ربما ستكون هي من أقل المستفيدين منه، لأن نصيب الأسد من أرباح المنتجات الزراعية سيكون للتجار و المضاربين، ماتت بسبب اهمال الدولة لمصدر هام من مصادر الثروة ، فوزارة الفلاحة غائبة عن أهم الأراضي الزراعية في البلاد، فلا وجود لإدارة و لا مرشدين يساعدون الناس و يدربونهم على استعمال الآلات الزراعية، و على كل ما يهم الزراعة و تربية المواشي و تشجيعهم.
لقد كان حادث أليم و ماتت حدا بسبب آلة الدراسة، ماتت وهي في قمة العطاء، وهي تعمل من أجل تأمين عيش أبنائها و مستقبلهم، ماتت من أجل زوجها الكادح هو أيضا من أجل العيش الكريم، لقد اختارت طريقها منذ كانت في ريعان شبابها و لم تكن معولة على ثروة أبيها، بل بنت نفسها و بنت أسرتها بنفسها، أسرة صغيرة يسودها الإحترام، و القناعة و حب العمل و البذل و العطاء و زرعت في أبنائها حب الأرض، لقد شاركت زوجها دون أن تسمع محاضرات عن التناصف الأفقي و العمودي و لا عن مجلة الأحوال الشخصية و لا عن الجمعيات النسائية التي لا أظن أنها زارت أصلا تلك الربوع، لقد ماتت و لم تنتفض من أجلها لا نقابات و لا جمعيات، ان كان للوطن معنى غير المعنى الهلامي الذي يهتفون به في وسائل الإعلام فحدا بنت خالي قد ماتت من أجل الوطن، نعم الوطن الذي هو أرضها و قمحها و أبنائها رحمها الله، كان موتها مؤلما بالنسبة لي، لقد ألمّ بي حزن أفقدني توازني و أفقدني شهية الحديث و الضحك، عشت في حياتي أوقاتا عصيبة و لحظات مؤلمة، لكني كنت أضع أمام الحزن حواجز و أسوار و أرمي عليه سهام ابتساماتي و أحاربه بسيوف سخريتي و مرحي، لكن هذه المرة تسرب الحزن كالماء بين عروقي و انتابني كالحمى فلم أقوى على صده و مقاومته، إلى أن خفف من وطأته الزمن، و الحمد لله ها أنا قد استعدت بعضا من عافيتي و استعدت ذكريات الطفولة لما كانت حدا بمثابة أخت كبرى تأتي لبيتنا المتواضع و تساعد والدتي على قضاء شؤونه لأيام و شهور  فرحم الله حدا بنت خالي و رزق أهلها و أبنائها الصبر و أرجو أن تلقى هذه الكلمات صدى حتى يهتموا بالأرياف و بسكان الأرياف لأنهم لا يحتاجون لمساعدات و لا لشفقة إنما يحتاجون لتحسين ظروف عيشهم و تشجيعهم على الإنتاج و العمل و المساهمة في تنمية البلاد، و شكرا لكل من قرأ هذه الثرثرة ليخفف عني الحمل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire