lundi 25 avril 2016

قبرص

قبرص وطن بين عالمين




في ركن من أركان البحر الأبيض المتوسط و غير بعيد عن عالمنا العربي الذي تملؤه الحروب و الصراعات و الأزمات، و تتكاثر فيه أدفاق اللاجئين و المهاجرين، توجد جزيرة لا تقل فيها الإختلافات الإجتماعية و السياسية حدة عن الإختلافات في العالم العربي لكن التنوع في هذه الجزيرة كان حافزا ليجعل منها قبلة السياح من كل أصقاع الدنيا، الذين يختارون المغامرة و الإستمتاع و الإكتشاف و النبش في تاريخ الحضارات في جزيرة ساعدها موقعها في شرق المتوسط و تحديدا في بحر ايجي على أن تكون معبرا لأهم الحضارات في تاريخ الإنسانية ، هذه الجزيرة هي جزيرة قربص، التي قد تكون من أجمل الجزر في المتوسط كله من شرقه إلى غربه، و لئن كان المتوسط يعج بالجزر و السواحل السياحية التي تتشابه في مناخها و تضاريسها فإن لقبرص سحر خاص، سنحاول اكتشافه من خلال البحث فيما تختلف فيه هذه الجزيرة من مرافق سياحية و معالم أثرية و خصوصيات اجتماعية.....
الذي ينظر إلى خريطة قبرص بعين الرسام الفنان لا بعين الجنرال الذي يهندس الحروب، يرى فيها جمال و منظر يكاد يشبه في اقترابه من العالم العربي و تحديدا بلاد الشام، طفلا يمد يده الصغيرة قصد الإمساك بجلباب أمه، فالمسافة بين شواطئ لبنان و أرض قبرص لا تتجاوز المائة كيلمتر كما يمكن رؤيتها من خلال البنايات العالية و المرتفعات، و الرحلة بالطائرة من بيروت  إلى مطار لارنكا  في جنوب شرقي الجزيرة تستغرق أقل من نصف ساعة كما تفصلها عن الساحل الجنوبي لتركيا حوالي ثمانين كلمتر ، أما من الجهة الغربية فتقابلها مختلف الجزر اليونانية، مساحتها تبلغ حوالي تسعة آلاف و مائتين و خمسين كلمتر مربع و يصل تعداد سكانها المليون نسمة من بينهم مائتي ألف في الشطر الشمالي للجزيرة، و سنتطرق لاحقا إلى قصة شطري الجزيرة، و في حديثنا عن موقع الجزيرة في شرق المتوسط  نستنتج أن العوامل الطبيعية من أهم عوامل الجلب السياحي إلى هذه الأرض فمناخها المتوسطي المعتدل يجعلها قبلة لأهم الأدفاق السياحية القادمة من شمال أوروبا و شرقها و من ألمانيا و بريطانيا و روسيا بحث عن الدفء و عن أشعة الشمس و عن طقس معتدل في الشتاء يكاد يكون دافئا مقارنة بدرجات الحرارة في دول أخرى في شمال أوروبا فينفس الفترة من العام، أما في الصيف فأشعة الشمس الحارقة و الشواطئ الساحرة التي تمتزج فيها زرقة البحر و خضرة الغابات و هو مشهد متوسطي بامتياز تشترك فيه قبرص مع كل سواحل و جزر المتوسط من بيروت إلى تونس إلى الرباط إلى صقلية ، كما أن التضاريس الجبلية و القرى و المزارع و حقول اللوز و الزيتون و الجبال الصخرية و المنحدرات و الأودية العميقة و الغابات و الأحراش مثل جبل ترودوس في وسط الجزيرة وهو من أكثر الجبال ارتفاعا و وعورة،  كلها عوامل طبيعية جالبة للسياح الباحثين عن المغامرة و الرياضة و الرحلات الجبلية. العوامل الطبيعية على أهميتها ليست العامل الأهم في جلب السياح إلى قبرص إنما العامل السياسي و الإجتماعي و التاريخي هو الحاسم.
تاريخيا الجزيرة جزيرة قبرص تعاقب عليها الآشوريين و المصريين القدامى ثم الفرس إلى أن شملتها الفتوحات الإسلامية في القرن السابع ميلادي و نجح المسلمون آنذاك في حماية أهلها و منحهم الحرية و الأمان لثلاثة قرون، ثم جاء البيزنطيون خلال القرن العاشر لاحتلالها و لم يقدر حتى صلاح الدين على استعادتها بعد معركة حطين الشهيرة سنة  سبعة و ثمانون ومائة و ألف ميلادي فقد تمكن الملك غاي دي لويزيان من اللجوء اليه بعد فقدان عرشه على يد صلاح الدين، و في أواخر القرن السادس عشر استعادها العثمانيون على يد السلطان سليم الثاني، كل هذه التفاصيل التاريخية على الرغم من أنها مختصرة تثبت دون شك أن قبرص تزخر بمعالم تاريخية و آثار مدهشة تستهوي كل من يري الإكتشاف و الاستمتاع، و لعل من أبرز المعالم في قبرص هو ديربيلاي  أو دير السلام في الشطر الشمالي من قبرص لايزال مفتوحا للعبادة و للزوار و هو دير تم بناؤه في أواخر القرن الثالث عشر من قبل الملك هيوا الرابع و قد ترك البيزنطيون معالم هامة مثل مينة أرينا التاريخية بقلاعها المدهشة و موقع فاماقوسا الأثري ، كما ترك العثمانيون أيضا الحمامات مثل حمامات أذونيس في منطقة تالا و هي حمامات رائعة موجودة في أماكن ساحرة في مدينة بافوس الساحلية حيث تقول بعض الأساطير أن آلهة الحب و الجمال آفرويت ولت على شاطئ بافوس، الحمامات كانت تتميز بأسطح نصف دائرية قام العثمانيون بترميمها و استبدالها بقباب مميزة، و جامع ليماسول الكبير الذي يفتح للمصلين في مختلف مواقيت الصلاة، أما ما يميز المن في قبرص فهو قصر المسافات و الشوارع الضيقة و المدن الهادئة التي يحلو فيها التجوال مشيا ، أما المأكولات فيها فهي متنوعة و مستمدة من موائد الشرق و الغرب من المأكولات اليونانية إلى التركية كما تتميز ليماسول بأكلة السمك بالباطاطا التي يعشقها الانقليز، الذين يعرفون بتتدفقهم على مدينة ليماسول في الشطر الجنوبي للجزيرة حيث فرضو بكثرة اقبالهم عليها طابعا انقليزيا في كل مظاهرها المعمارية و حتى من خلال ملامح الناس و تصرفاتهم و عاداتهم، و الحيث عن ليماسول و الأنقليز يجرنا للحديث عن السياسة في قبرص
ليماسول هي المدينة الثانية بعد العاصمة نيقوسيا توجد في الشطر الجنوبي للجزيرة و هو شطرها اليوناني، أما الشطر الشمالي فهو شطر تركي و أصل هذا التقسيم يعود لزمن الإستعمار البريطاني الذي عبثت مسطرته بكل خرائط المستعمرات العربية و الغير عربية و قد كرست خلال تواجدها في الجزيرة واقعا عنصريا مبنيا على التفرقة بين سكان الجزيرة الواحدة على أساس اللغة و الدينى مما تسبب في انهاء التمازج التاريخي بين ناس تعايشو مع بعضهم طيلة قرون، و قد استقلت عام ستين و تسعمائة و ألف كجمهورية لكن بعد ثلاث سنوات اندلعت مشاكل حول الاعتراف بالشطر التركي للجزيرة و من المفارقات أن العاصمة نيقوسيا كانت على الخط الفاصل بين الشطرين مما جعلها مدينة مميزة و جالبة للسياح أيضا  و لذلك لها اسمين نيقوسيا و لفكوشيا، و تنقسم العاصمة نفسها إلى جزئين يفصل بينهما خط تحميه القوات الأممية و يمكن للسياح التنقل بحرية باستخدام جوازات السفر، الحديث عن الخطوط و الحدود الأعلام أمر لا يدعو للمتعة بل قد يذكرنا بآلاف البشر العالقين خلف الحواجز و الأسلاك الشائكة في مختلف أنحاء العالم للعبور من أرض إلى أخرى، الحديث فقط عن جمال خريطة قبرص و جمال أرضها و جمال مدنها كايرينا في الشمال و نيقوسيا في الوسط و لارنكا و ليماسول في الجنوب كلها مدن يمكن زيارتها في رحلات بتكاليف منخفضة انطلاقا من مطارات تركيا في رحلات داخلية أو انطلاقا من مطار بيروت أو رحلات بحرية متوسطية انطلاقا من تونس أو ايطاليا
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire