jeudi 29 mai 2014

هجرة الأدمغة

هجرة الأدمغة

تعيش أغلب الأسر التونسية خلال هذه الفترة من العام على وقع التحضير لاختبارات البكالوريا، وهي مناسبة باتت تفقد الكثير من بريقها لأسباب عدة منها قلة فرص العمل بعد الحصول على الشهادة الجامعية، كما ذهب البعض إلى التشكيك في المستوى العلمي لشهادة البكالوريا التونسية وإلى التشكيك في مستوى الحاصلين عليها، لكنها تبقى مناسبة مميزة تجلب الكثير من الفرحة والبهجة للأسر التونسية ولمختلف الأسر العربية التي تولي أهمية كبرى لتعليم أبنائها قصد رفع مستواهم المادي والاجتماعي، وتبقى شهادة البكالوريا ومختلف الشهادات الجامعية في العالم العربي ذات قيمة علمية عالية تضاهي مثيلاتها في اوروبا وأميركا وغيرها من الدول المتقدمة علمياً، والدليل على ذلك ما تشهده الدول العربية على غرار الدول الفقيرة في العالم من هجرة ونزيف "للأدمغة" والكفاءات مع بداية كل موسم دراسي، ولأن كانت ظاهرة "هجرة الأدمغة" ظاهرة عالمية من الدول الفقيرة في اتجاه الدول المتقدمة علمياً، فإن تأثيرها في العالم العربي بات أكثر حدة وأكثر سلبياً على الاقتصاد والمجتمع، اما أسبابها فهي متعددة ومتشعبة لكن سبل علاجها ليست مستحيلة وليست بعيدة المنال....
أرقام ووقائع
لا يمكننا التطرق لأسباب "هجرة الأدمغة" من دون ذكر بعض الأرقام الهامة من آخر تعديل على موقع "ويكيبيديا" بأن 50% من الأطباء، و23% من المهندسين و15% من العلماء في البلدان العربية يهاجرون، متجهين بوجه الخصوص إلى أوروبا وأميركا الشمالية كما أن ما يقرب من 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، 30% من أطباء بريطانيا هم من العرب، وهي فعلاً أرقام مخيفة تبين فداحة نزيف الكفاءات العربية نحو الخارج، وهذا يعود لأسباب عدة لعل من أبرزها الفقر حيث يعتبر التعليم لدى الأسر محدودة الدخل استثمار العمر لتحقيق رقي مادي واجتماعي للأبناء والأجيال اللاحقة وبالتالي لا يرضيهم أن يجدوا أبناءهم بعد سنوات التعب والدراسة، إما يبحثون عن عمل طال انتظاره، أو عن وظيفة راتبها لا يغني من جوع، و بالتالي لن يفوتوا فرصة ارسال أبنائهم للدراسة في الخارج سواء بتشجيع من الدولة ان كانوا من المتفوقين، أو على حسابهم الخاص بعد بيع ما يملكون من مواش أو أراض أو غيرها من الأملاك، وهذا يجعلهم غير مستعدين لأن يعود أبناؤهم بعد التخرج وترك الأجور المغرية التي ستعوض لهم خسارتهم، ومن هنا نستنتج أن الأسباب المادية الدافعة للهجرة تقابلها إغراءات كبيرة في الدول المستقبلة والتي تولي أهمية كبرى للبحث العلمي وتخصص له إمكانيات مادية جيدة، وتكون الأجور فيها مرتفعة وكافية لتوفير متطلبات الحياة المريحة من مسكن وملبس ومأكل، كما تتوفر فيها مرافق الترفيه والثقافة والخدمات الراقية من نقل وعلاج وبنى تحتية، وهي مغريات قد يكون من الممكن التضحية بها، لكن هناك أسباباً أخرى لا تشجع على عودة أصحاب الكفاءات العلمية والتقنية العالية على العودة من بلاد الغربة ومن بينها الفساد الإداري والبيروقراطية التي لا تسهل الإجراءات لإقامة مشاريع منتجة ذات قيمة مضافة علمياً ومادياً، كما أن أجواء البحث العلمي يشوبها الكثير من الفساد والمحسوبية والروتين وتكرار المواضيع من دون إبداع أو تشجيع عليه في مختلف المجالات العلميّة والصناعية والإنتاجية وهي أجواء يملأها إحباط كل من يتعامل بجدية مع البحث والإنتاج، إضافة إلى ذلك فإن عدم الإستقرار السياسي خاصة في البلدان العربية التي عاشت الثورة أو التي تأثرت بها أثر سلباً على إمكانية عودة الكفاءات، فالثورة في تونس فتحت آفاقاً للإبداع والإصلاح وفتحت الأبواب للكفاءات المهاجرة لكن عودتهم كانت فقط مقترنة بأطماع سياسية ومن أجل مناصب ووزارات وكان لهم ذلك، حيث كانت حكومات ما بعد الثورة تعجّ بحاملي الشهادات التي ضج الإعلام في مدحهم وإظهار عبقريتهم في إدارة كبرى المؤسسات الاقتصادية في أوروبا، لكن انتهى بهم المطاف في سياحة حزبية ومجرد أصوات دعائية على شاشات التلفزة، ولم نسمع أن أحداً وظف طاقاته بعد عودته لتونس في أي مشروع علمي ينقذ البلد من وضعها الحالي...
الحلول
هذه هي اذاً بعض أسباب "هجرة الأدمغة"، لكن سبل الحد منها تكمن أولاً في الحد من الفساد المالي والإداري في البلدان العربية، خاصة بعد الثورة التي أسقطت كل الأصنام والأقنعة وفتح أبواب الإصلاح رغم صعوبة المهمة والمرحلة، والتشجيع على البحث العلمي ومقاومة الفساد في هذا المجال وتطوير الجامعات، وفتح الأبواب للاستثمار الخاص في مجال التعليم العالي ودعم البحث العلمي وتمويله، كما يتوجب على البلدان العربية التعاون فيما بينها في مجال الجامعات وتبادل الكفاءات، والتعويل على الكفاءات العربية خاصة في الدول التي فيها مؤسسات بترولية كبرى وذات مستوى تأجير عالي..
كما يجب أن لا ننسى أن هناك العديد من الدول العربية غير البترولية تعمد إلى توظيف طاقات أجنبية بأجور مرتفعة، ففي تونس وحدها يعمل أكثر من 3000 موظف أوروبي في قطاع الخدمات والسياحية بأجور ضخمة كان بالإمكان أن تبقى في تونس وينتفع بها أبناء البلد... "فهجرة الأدمغة" هي خسارة كبرى لمجهودات الدول العربية وبالأخص تلك التي تدعم التعليم العام بمبالغ ضخمة، بينما تحتاج التنمية العربية لمثل هذه الكفاءات في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقنية.... وفي الختام نتمنى التوفيق والنجاح لكل الطلاب المقبلين على اختبارات البكالوريا للعام 2014.

2 commentaires:

  1. Ce commentaire a été supprimé par un administrateur du blog.

    RépondreSupprimer
  2. watch The Flash: Season 1 Online
    the FlashTV Series 2014
    http://the-flash-series.blogspot.com/

    RépondreSupprimer