jeudi 6 octobre 2011

هل يمكن ايقاف نزيف الاغترب في العالم العربي؟؟؟؟؟

"لو لم يكن لبنان وطني لاخترت لبنان وطنا لي" كلمات معبرة قالها جبران خليل جبران، لخص فيها كل ما يحمله من حب و شوق و حنين لوطنه "لبنان" و لعل جبران من أشهر المهجريين الذي يذكرنا بظاهرة الهجرة التي شهدها العالم العربي وخاصة لبنان خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، ولئن كانت الظاهرة في تلك الحقبة التاريخية مقترنة في ذاكرتنا بالشعر و بشعراء المهجر فقد اقترنت في عصرنا الحالي أكثر ما يمكن بالجانب المادي و الربحي و البحث عن لقمة عيش في أوطان أخرى ، و هذا ما يفسر الى حد ما الاختلاف في التسميات حيث تم استبدال كلمة مهجر بكلمة اغتراب و باتت هذه الكلمة هي الأكثر شيوعا و الأكثر استعمالا رغم أن كلمة اغتراب توحي بالألم و المعانات، لكن هذه التسمية السلبية و المفزعة بعض الشيء لا يمكن أن تحجب عنا الوجه المضيء لظاهرة الاغتراب اللبناني في شتى المجالات الثقافية و الاجتماعية و خاصة في المجال الاقتصادي، و دون الخوض في الأرقام تعتبر نسبة المغتربين نسبة هامة و بالتالي تحويلاتهم المالية هامة أيضا، هذا اضافة الى الاستثمارات التي قد تعود بالفائدة على الاقتصاد اللبناني و تحسين أرقام و مؤشرات النمو الاقتصادي و بالتالي تحسين الوضع الاجتماعي للشعب اللبناني الذي لا يمكن أن يكون بمنأى عن ما يعانيه العالم العربي من مشاكل اجتماعية مختلفة كالفقر و البطالة و التهميش و غيرها من الفظاعات التي اكتشفتها الشعوب العربية مؤخرا، و طبعا الأرقام تخدعنا دائما لأنها لا تعكس الواقع الاجتماعي اللبناني، فما فائدة هذه الاستثمارات الضخمة ، التي تدهشنا أرقامها الهائلة؟
تبدوا الاجابة على هذا السؤال صعبة لأنه سيجرنا الى عدة تعقيدات و تفاصيل اقتصادية و علمية، لكن قد نقترب و لو قليلا من تبسيط هذه الاجابة ان تم تناول موضوع استثمارات المغتربين اللبنانيين في لبنان و مقارنته بالواقع الاقتصادي اللبناني.
و لنبدأ أولا بالمغتربين، الذين يعتبرون بالنسبة للبنان حسب الأرقام منجما هاما للعملة الصعبة و التحويلات المالية، لكن هذه العملة يعيدونها بتوجهاتهم الاستثمارية من حيث أتت لأنهم يستثمرون أساسا في القطاع الخدمي، وهو القطاع رقم واحد في لبنان حسب عدة مصادر، و لنبسط أكثر،عادة ما يستثمر المغترب اللبناني في قطاع العقارات وهو قطاع طفيلي ميت و يتطلب صيانة و تعهد، كما يتسبب تهافت المغتربين على العقارات في ارتفاع تكلفة السكن و أسعار الأراضي المعدة للبناء و بالتالي المساهمة بطريقة غير مباشرة في صعوبة الحصول على سكن لائق، كما يستثمر في المقاهي الفخمة و المطاعم و النزل وهي أيضا قطاعات مستهلكة و يتطلب تسييرها تبديد طاقة هائلة و معدات كلها مستوردة من الدول التي اغترب فيها أبناء لبنان و بذلوا فيها عرقهم ظنا منهم أنهم حققوا شيئا لوطنهم، و رغم كل السلبيات لا يمكن أن ننكر أهمية هذه القطاعات في الاقتصاد، و في التشغيل،كما يجب أن نلتمس الأعذار للمغتربين في توجههم الى هذه الاستثمارات المربحة و المريحة، لكن أحيانا على الانسان المواطن و لو كان مغتربا أن يفكر في اقتصاد بلده، اقتصاد لبنان، الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتمد فقط على قطاع الخدمات وحده لأنه هنالك قطاعات أخرى هامة كالصناعة، و الزراعة، و يعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات المنتجة رغم أنها لا توفر أرباحا هامة و آنية للمستثمرين فيه و ربما هذا ما يفسر البرود أو الفتور في العلاقة بين المغترب و الاستثمار في الزراعة، على عكس قطاع الخدمات المربح كما أسلفنا الذكر، و طبعا هنا لا يمكن أن نمر دون أن نذكر بأن واقع الزراعة في لبنان متردي شأنه في ذلك شأن باقي الدول العربية عموما، لكن أن يتم تفهم توجهات المغتربين الاستثمارية و التماس الأعذار لهم لا يعني السكوت عن هذا الهروب المتعمد، وهو نوع من الهروب الى الأمام، و المقصود بالهروب الى الأمام هو عدم مغامرة المستثمر المغترب، و خوض المعركة على الأرض و بالتالي البحث عن الأسلحة الكفيلة بانجاح هذه المعركة و تحقيق أرباح هامة كتلك التي كان سيجنيها من الاستثمارات الخدمية ، و هنا دعنا نراجع بعض الصفحات البيضاء من تاريخ العلاقة بين المغترب و الزراعة، حيث بينت احدى الدراسات حول الحمضيات في لبنان أنه في خمسينيات القرن الماضي توجه قسم من رأس مال المغتربين الى الزراعة في السهل الساحلي مستفيدا من توفر مياه الري من قناة أو نهر القاسمية، و بالتالي تحولت الزراعة من زراعة تقليدية الى زراعة مروية حيث تحتل بساتين الحمضيات و الموز و الخضار أغلب مساحاتها، هذا ما قاله التاريخ أما اليوم فالواقع له متطلباته و المعركة قد تبدوا صعبة على المغترب، لكن عليه بالبحث عن الأسلحة، و نعني بالأسلحة البحث عن المتطلبات العصرية للعمل في المجال الزراعي، و تتمثل هذه المتطلبات أساسا في الكفاءات العلمية و لا أظن أن بلدا كلبنان فيه أرقى الجامعات و أشهرها على الصعيد العربي و حتى العالمي تفتقر الى كفاءات في المجال الزراعي، بل بالعكس سنويا يتخرج المئات من الكفاءات المتخصصين في عدة مجالات علمية كالبيولوجيا و الكيميا و غيرها من العلوم التي لها علاقة بالزراعة و النباتات، هذا اضافة الى توفر مراكز البحث صلب الجامعات هذه المراكز قد تكتسب جدوى و قيمة مضافة ان أصبحت تتعامل مباشرة مع الباعثين في المجال الزراعي و تقدم لهم الاستشارات و الارشادات، هذه اذا بعض المفاتيح أو لنقل الآليات الكفيلة بمساعدة المستثمر حتى يكسب رهانات الاستثمار في المجال الزراعي، الذي قد يكون مربحا و مفيد و الأهم و الأكيد أنه مفيد لاقتصاد البلاد و يساهم في دفع نسق التنمية الداخلية الشاملة و التي تقطف ثمارها كافة الفئات من المجتمع، بعد هذا التحليل البسيط و المبسط و الذي لم يتم فيه التطرق الى عدة تفاصيل و جزئيات هامة، يمكن أن نقول أنه ليس من قبيل المستحيل أن يستثمر المغترب في المجال الزراعي في بلده، و بالتالي من واجبه خوض غمار هذا الاستثمار لمساعدة الدولة على خلق تنمية شاملة في المناطق الريفية و المزارع و ذلك كي لا يستمر المزارع في حياة الفقر و التهميش لأنه أكبر منتج و أهم منتج في البلد و العاملون في الوظائف و الجالسون على الأرائك و تحت المكيفات انما يتقاضون أجورهم من عرقه و من عرق الرعاة و الفلاحين الذين صقل أجدادهم صخور جبال لبنان و طوعوها لتصبح أرضا خصبة و مزارع غناء و مراعي، تلك الصخور يريد البعض اعادتها الآن الى مكانها في شكل بنايات صماء و عمارات صامتة و جامدة باتت تجتاح كل المساحات الزراعية و في كل الاتجاهات. من ناحية أخرى على المغترب اليوم التفكير جيدا في الدمج بين الجانب الترفيهي و الجانب العملي في مجال الزراعة فالمزارع و الضيعات يمكن أن تتوفر فيها و بسهولة فضاءات للترفيه و المتعة و للسياحة البيئية و الايكولوجية، كما يمكن الترويج لرحلات ريفية و جبلية لفائدة العائلات و الأسر المغتربة العائدة سواء بمناسبة عطلة، أو مناسبة دينية، و لعل من أهم فوائد هذا النوع من السياحة بالنسبة للمغتربين هي تربية الأطفال على حب الوطن و التعلق به لأن الزائر سيحب وطنه الذي تطأ أقدامه تربته و يستنشق هوائه و يرى أشجاره و نباتاته و ليس الوطن الذي لا يرى منه غير الواجهات البلورية و السيارات المزمجرة و البنايات الشاهقة، كما لا يمكننا أن ننسى الجانب الترويجي للمنتوجات الزراعية و هذا لا يعتبر عائقا كبيرا أمام المستثمر المغترب نظرا لشبكة علاقاته و نظرا لخبرته في مجالات الاستيراد و التصدير بحكم التجربة التي اكتسبها من سفره و ترحاله في عدة دول، هذا اضافة الى وجود لبنان في موقع قريب نسبيا من دول الخليج التي تعتبر من أكبر الأسواق الاستهلاكية نظرا لضعف الزراعة هناك و تركيز اقتصادات تلك الدول على الصناعات البترولية، و التصدير لا يمكن أن يكون دون جودة و الجودة في المنتوج الزراعي يحققها البحث العلمي و الابتكار، حيث تعتبر الزراعة البيولوجية في السنوات الأخيرة قطاعا واعدا و ذو قدرة تنافسية عالية، هذا علاوة على مساهمة وفرة المنتوجات الزراعية و جودتها في تطوير قطاع الصناعات الغذائية و بالتالي المساهمة في تشغيل أكثرما يمكن من اليد العاملة و من خريجي الجامعات .
قد يبدوا هذا الكلام فيه نوع من الخيال و الحلم لكنه حلم مشروع و تحقيقه ليس بالأمر الصعب فقط يحتاج الى مبادرة و الى ارادة صادقة في خدمة الوطن و تحديدا خدمة أبناء الوطن الذين يتمسكون بالأرض ويزرعونها و يحرثونها بسواعدهم و يسكبون عرقهم على تربتها الزكية الطاهرة، فأرض لبنان أرض خصبة على مر التاريخ، أرض تعاقبت عليها الحضارات و يعود تاريخ الزراعة فيها الى عهد الفينيقيين منذ آلاف السنين، فلماذا اذا تذهب الأموال هباء في صخور الخراسانة الصماء و الرخام المثقوب و دخان السيارات دون أنفاقها في حقول البرتقال و الزيتون و الياسمين، حتى ينبعث من أرض لبنان الطيبة هواء عليل و نسيم طيب مفعم بأريج الرياحين و شذى الياسمين، و لماذا لا يساهم المغتربون أنفسهم باستثماراتهم في الأرض، في ايقاف نزيف الاغتراب الذي لم تعد لبنان وحدها التي تعاني منه بل كل العالم العربي؟ المسؤولية اليوم جسيمة و حساسة في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم العربي و الاغتراب اليوم بات اغترابا داخليا حيث يقول الدكتور سليمان ابراهيم العسكري رئيس تحرير مجلة العربي :" العجز بأشكاله المختلفة اقتصادية و اجتماعية و معرفية، يتحول إلى نوع من الاغتراب الداخلي، يدفع الى الاغتراب خارج الأوطان، و بأثمان فادحة على الأغلب"، فالى أي حد سيساهم المغترب اللبناني في مقاومة هذا العجز و بالتالي مقاومة الاغتراب الداخلي و ايقاف نزيف الاغتراب؟ ./.

18 commentaires:

  1. المدونة ممتازة ورائعة وشكرا لك وبالتوفيق ...

    RépondreSupprimer
  2. مع تمنياتى بدوام التوفيق ان شاء الله

    RépondreSupprimer
  3. موضوع قيم
    مزيد من الابداع والتألق
    تقبل مروري

    RépondreSupprimer
  4. بصراحة الواحد نادر قوى لما يلاقى مدونة او موقع يستفيد مهم بشكل كبير
    اشكرك على اسلوبك وطريقتك فى الكتابة ، وكمان مدونتك ذوقها جميل جدا
    وتتمتع بالسهولة والبساطة فى التصفح وبها مجموعة من المواضيع الرائعة والمفيدة

    RépondreSupprimer
  5. الاسلام عليكم
    ما شاء الله موقعك جميل ومفيد
    ابدأ أقوى استراتيجية عبر الانترنت
    في تحقيق دخل جيد للموقعك
    لا تضيعوا الفرصة من بين يديكم
    ماذا تنتظر؟ سجلوا الآن مجانا واحصلوا على مئات دولارات
    http://goodhsoub.blogspot.com/

    RépondreSupprimer
  6. ما شاء الله موقعك جميل ومفيد

    RépondreSupprimer
  7. موضوع جميل جدا ورائع جدا ويستاهل كل احترام وتقدير

    RépondreSupprimer
  8. شكرا ليك .. موضوع اكثر من رائع

    RépondreSupprimer
  9. شكرا ليك .. موضوع اكثر من رائع

    RépondreSupprimer
  10. شكرا ليك .. موضوع اكثر من رائع

    RépondreSupprimer