mercredi 6 juillet 2011

رسالة البوعزيزي


"أنا مسافر با أمي سامحيني........" كلمات من أغنية راب لمغني تونسي مشهور بلقب "ماسكوت" كتبها شاب من سيدي بوزيد على صفحته على موقع فايسبوك و من الصدف أن هذا الشاب اسمه محمد البوعزيزي، نفس هذه الكلمات نسبتها أغلب مواقع الأنترنت للمرحوم محمد البوعزيزي شهيد الثورة التونسية رحمه الله حيث روي أنها آخر رسالة كتبها لوالدته، هذا اذا ما شاهدته صدفة على قناة فرانس24 التي استضافت عبر" الوابكام" محمد البوعزيزي الحي وهو طالب جامعي وهو حسب القناة المالك الحقيقي لهذه الكلمات طبعا بعد أن أخذها عن "ماسكوت" ولا علاقة لمحمد البوعزيزي الشهيد بهذه الكلمات و قد أكد هذا الطالب صحة ما نسب إليه ، القضية هنا ليست الكلمات و انما قصة المرحوم الشهيد محمد البوعزيزي التي عادت لتطفوا على السطح في المدة الأخيرة على شبكة الأنترنت و في الجرائد اليومية و حتى في بعض الفضائيات الاخبارية لكن تناول القصة هذه المرة لم يكن بذلك الحماس و التعاطف و التمجيد لما أقدم عليه محمد البوعزيزي و انما للتشكيك و التكذيب وصولا أحيانا إلى نفي القصة من أساسها و اعتبارها مسرحية لا وجود لها، و هنا يكمن التساؤل عن جدوى طرح الموضوع في هذا الظرف بالذات؟ و من المستفيد من ذلك؟
لنبدأ أولا بفك اللبس فالشهيد محمد البوعزيزي رحمه الله كان شابا كادحا من مدينة سيدي بوزيد التي عانت منذ سنوات من الاقصاء و التهميش و الفقر و الحرمان و لا تزال تعاني و أظنها ستظل كذلك بعدما رأيته اثر الثورة، هذا الشاب تحدى الفقر و الحرمان و لم يطلب شيئا من أحد و لم يستولي على ملك أي شخص و لعل عربته كانت دليل براءته من المزاعم التي يزعمها بعض أصحاب النفوس المريضة، فمحمد البوعزيزي لو كان مجرما أو مشاغبا أو فاسدا ما كان أضنى نفسه بدفع عربة فواكه وسط الأسواق في برد الشتاء القارس و لهيب شمس سيدي بوزيد الحارقة، فالمشاغبين و الفاسدين في كل ربوع تونس كلنا نعرف في ماذا يتاجرون و ماذا يروجون. اذا هو كان من أبناء تونس الذين يأكلون فقط من عرق جبينهم من الذين يعملون كثيرا و يأكلون قليلا أما عن الشهادة العلمية التي شككو فيها أيضا وقالو أنه لم يتحصل حتى على الباكالوريا فبئس باكالوريا يحملها سارق و منافق و بئس من بلغ أعلى المراتب العلمية و سقط إلى أسفل درجات القذارة بفساده الأخلاقي و القيمي و بئس الدكتور و المهندس و المحامي الذي يتقاضى أجورا خيالية من عرق العباد دون أن يقدم للشعب و للوطن أي عمل غير لعب الكلمات المتقاطعة و تضييع الوقت وسط المكاتب المكيفة . و طبعا المهن المتعبة و التي تتطلب العرق و الجهد و الكدح عادة ما تسبب المشاكل و التشنجات و هذا ما يجرنا للتطرق لحادثة البوعزيزي.مع الشرطية فايدة حمدي في سوق سيدي بوزيد.
هذه الحادثة قد أكدها أكثر من طرف و لم تأتي من فراغ ، و لنكن منصفين في حق الشرطية فايدة حمدي التي كانت هي الأخرى ضحية و لم تكن السبب الوحيد و المباشر في اقدام البوعزيزي على حرق نفسه لأن التجاهل الذي لقيه من قبل موظفي الولاية اضافة الى عدة ممارسات أخرى أججت بداخله نيران الحقد و الشعور بالاحباط، وهذا ماأكدته فايدة حمدي على وسائل الاعلام كما أكدت أيضا أن البوعزيزي لم يكن شخصا سيئا كما صوره البعض، و لا أتصور أن انسان يقدم على اضرام النار في نفسه هكذا عبثا، و ما حصل في سوق سيدي بوزيد لشرطية التراتيب فايدة حمدي من صراع مع التجار كان يحدث تقريبا في كامل أسواق الجمهورية و هذا راجع للمنظومة الجبائية الفاسدة التي يقوم عليها الاقتصاد التونسي وهي منظومة تمتص عرق و تعب و شقاء الفقراء لتنفقها على كبار المسؤولين و الموظفين و لتعفي أيضا كبرى الشركات من الرسوم و الأداءات، لكن المحير في الأمر أن هذه المنظومة الفاسدة لازالت قائمة في تونس ما بعد الثرة و أظنها ستستمر، و سيستمر معها الفساد في كل القطاعات و طبعا مستفيد الأمس هو نفسه مستفيد اليوم خاصة مع غياب المحاسبة الحقيقية و المسائلة الجدية لكل رجال الأعمال و كبار المسؤولين المتورطين في الفساد خاصة و أنهم لازالوا يديرون دواليب الدولة من وراء ستار و تظهر أصابعهم بين الفينة و الأخرى من خلال سيطرتهم على المنظومة الأمنية التي تعمل فقط لحمايتهم و حماية مصالحهم و تساعدهم على خلق الفراغ الأمني و الانفلاتات و الفتن خاصة في المدن التي كانت منبعا للثورة قصد معاقبتها و جعلها تندم على ما أقدمت عليه، و لعل من أبرز معالم سيطرة هؤلاء الفاسدين هو الاعلام التوسي الذي كان و لا يزال فاقد للشخصية و فاقد للنزاهة، هذا الاعلام الاجرامي الذي تغير بعد الثورة لكن نحو الأسوأ، و هنا نعود الى موضوعنا الأصلي ألا وهو طريقة تناول الاعلام التونسي لقضية الشهيد محمد البوعزيزي، هذه الطريقة كانت تتلون و تتغير حسب المصالح و حسب الظروف، حيث في البداية و بعد الغضب الشعبي في سيدي بوزيد منذ 17 ديسمبر 2010 تآمرت وسائل الاعلام التونسية على تشويه صورة البوعزيزي و محاولة اقناع الشعب أنه شخص منحرف أحيانا و معتوه أحيانا أخرى و البعض يكتبون أنه مدمن ، و جريدة أخرى تقول أنه متخاصم مع والدته، و هذا اختصاص الجرائد التونسية و هي أسوأ جرائد تباع على وجه الكرة الأرضية و أتحدى أحدا يأتيني احد بأسوأ من الصحف التونسية في شتى أنحاء العالم، اذا هكذا كانت البداية لكن مع تطور الأمور نحو غضب شعبي عارم في المدن التابعة لسيدي بوزيد كان على اللوبي الاعلامي التونسي أن يغير استراتيجيته و طبعا لفائدة النظام الفاسد، و ذلك بعد الزيارة التاريخية التي أداها الرئيس بن علي ليراقب الحالة الصحية لجثة محمد البوعزيزي و طبعا وسائل الاعلام أوهمت الرأي العام أن البوعزيزي لازال حيا و اتفقت هذه المرة على أنه شاب كادح صالح مناضل و ذهبت بعض الجرائد الى أكثر من ذلك حيث قالت أن بن علي اعتبر البوعزيزي ابنا له و تمنى له الشفاء العاجل حتى يعود للكفاح من أجل لقمة العيش، رغم أنه جثة هامدة انها فعلا المأساة، و هكذا بين عشية و ضحاها نفس الجرائد التي شوهت البوعزيزي عادت لمدحه و تمجيده هذا المدح انما هو تطبيل لولي نعمتهم بن علي، و مع تغير الاستراتيجية الاعلامية تغيرت استراتيجية الظلم حيث اضطر النظام القمعي لبن علي لتقديم ضحية أخرى فاعتقلو ظلما الشرطية فايدة حمدي لاسكات الشعب الغاضب، لكن ذلك لم يجد نفعا و انتشرت نيران البوعزيزي في
كل الاتجاهات و أصبح رمزا و ملهما لباقي شباب تونس المظلوم و المقهور خاصة بعدما علموا بوفاته رحمه الله.
اذا شاءت الأقدار أن تستمر الثورة و تأخذ عدة منعرجات، الى أن أقبل يوم 14 جانفي الذي لم يكن يوما عاديا وقتها تنفس الشعب التونسي و أحس أن كلمة الحق هي الأعلى و أنه لا كذب بعد ذلك اليوم و لا ظلم بعد ذلك اليوم و لا اضطهاد بعد ذلك اليوم و شهدت الساحة السياسية و الأوضاع الأمنية عدة تطورات لكن الاعلام ظل جامدا باهتا و متراوحا بين أمس مليء بالكذب و المجاملات و المدحيات و العكاظيات و يوم مليء بالحقيقة و صدماتها و كدماتها، فما كان منهم الا أن يستهلكوا صورة البوعزيزي حتى يرضى عنهم الشعب فصوروه شهيدا بطلا رمزا لثورة أطلقوا عليها اسم الياسمين، و نزلوا سبا و شتما و ثلبا و تشهيرا و فضحا في بن علي و أسرته، انتشرت اذا صورة البوعزيزي في شتى أنحاء العالم و علقت صوره في عدة ساحات رئيسية للمدن التونسية اضافة الى نصب تذكاري في قلب مدينة سيدي بوزيد، وعوضت الجرائد التونسية صور سيادة الرئيس بن علي و حرمه بصورة محمد البوعزيزي في صفحاتها الأولى، و ظلت تلك الصحف التونسية كما الحرباء تتلون بلون البوعزيزي طوال الأسابيع الأولى للثورة التي كانت في أوجها و عنفوانها، وقتها كان للشعب صوتا و كيانا و هيبة و سلطة ، ولم يكن يدرك هذا الشعب المسكين أنها مجرد فترة عابرة و سيفقد صوته و سلطته و هيبته خاصة مع قدوم هيبة الدولة، اذا مرت الأيام الأولى للثورة جميلة حالمة حرة متدفقة بالأمل و الفرحة الممزوجة بدموع الفرحة بالشهداء و البكاء عليهم و الدعاء لهم بالرحمة الى أن جاءت هيبة الدولة و معها أتت أفاعي الثورات من كل الاتجاهات و من كل الجحور بعد فترة سبات قصيرة لتلتهم ثمار الثورة و تلدغ كل من قام بالثورة لدغة قاتلة و تنفث سمومها وتصدر فحيحا مزعجا و مخيفا لتخيف به البقية الباقية من الثوريين كي لا يعودوا و لا يفكروا أصلا في العودة و طبعا أساليب الإخافة و التخويف و الترهيب باتت معروفة لدى الشعب التونسي، كما انتصبت هذه الأفاعي و تربعت على نفس الكراسي التي كانت تتلوى فوقها أفاعي ما قبل 14 جانفي لكنها تلونت بألوان جديدة و تشكلت بأشكال جديدة و لجان و هيئات جديدة بأسماء ثورية طويلة لا يكاد المواطن البسيط أن يفك طلاسمها، هذه اللجان و الهيئات نأت بنفسها عن إرادة الشعب بل و أقصت الشعب و تجاهلت صوته و سلطته و هيبته، و لم تكتف هذه الأفاعي بذلك بل انتشرت في كل الأماكن و الحفر و الدكاكين و خاصة دكاكين الاعلام و هي تعرف مسبقا ما يتصف به الاعلاميون من جبن و خوف و انعدام الشخصية و المسؤولية و بحديثنا عن الاعلام نعود لموضوعنا الرئيسي ألا وهو التحولات و التقلبات في تناول قضية الشهيد محمد البوعزيزي، حيث انقلب الاعلام التونسي بعدما تأكد من أن الثورة انتهت و سرقت و ذهبت أدراج الرياح لتسيء تصوير البوعزيزي و عائلة البوعزيزي و تظهرهم في مظهر الانتهازيين، و طبعا هنا لا يمكن أن ننسى المواقع الالكترونية الموالية لأفاعي النظام السابق الذين هم نفسهم أفاعي النظام الحالي حيث تفننت هذه المواقع في تشويه صورة البوعزيزي و حرضت بعض الناس على تمزيق صوره التي كانت تتصدر بعض الشوارع، و لعل المؤلم و الجارح أن بعض المواقع تجرأت على وصف الشهداء بالمدمنين و اللصوص و بأنهم قتلوا لما كانوا يسرقون المحلات التجارية و هذا للأسف نفس خطاب التلفزة التونسية تونس سبعة أثناء الثورة و هذا الأمر يعتبر مؤشر من مؤشرات ضياع الثورة بين أياد غير أمينة.
من خلال هذا التقلب و التلون في تناول وسائل الاعلام التونسية و مواقع الأنترنت لقضية الشهيد محمد البوعزيزي يمكن أن نستنتج و لو نسبيا اجابة للتساؤل الذي طرحناه في البداية عن المستفيد من هذه الطريقة المتقلبة في التناول و المستفيدين هم الأشخاص الذين اختطفوا الثورة و خنقوها ، كما نستنتج أيضا أن الاعلام التونسي لازال بعيدا كل البعد عن تطلعات الشعب التونسي و آماله و طموحاته بعد ثورة كان البوعزيزي أول من أشعل فتيلها، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، سواء كان ما قام به خطأ أو صواب سيظل الشهيد البوعزيزي رمزا للثورة و شهيدا من شهدائها، و من هذا المنطلق علينا أن نحترم شهداء الثورة و أن لا نسمح لأحد بتشويههم و هذا أقل ما علينا أن نقوم به بعدما حذلناهم و تركنا الثورة بين أيادي العملاء و اللصوص. اللهم ارحم شهداء الثورة التونسية و انصر كل من يعمل على الوفاء لدمائهم و اخذل من خذلهم .

9 commentaires:

  1. مدونة رائعة وكلام جميل شكرا لك بالتوفيق باذن الله ...

    RépondreSupprimer
  2. بارك الله فيك ومدونة جميلة وكلام مميز ....

    RépondreSupprimer
  3. مدونة ممتازة وكلام رائع جدا شكرا لك وبارك الله فيك ...

    RépondreSupprimer
  4. رائع وكلام ممتاز ومدونة جميلة فكرة رائعة ..

    RépondreSupprimer
  5. اللهم ما ارحم شهداء الثورات العربية مقال ممتاز وكلام رائع ...

    RépondreSupprimer
  6. رائع جدا وممتاز الله ما ارحمهم وانتقم من كل ظالم ...

    RépondreSupprimer
  7. بارك الله فيك ممتاز جدا ...

    RépondreSupprimer
  8. Sloty Casino - Overview, News & Competitors - Mapyro
    View Sloty Casino (www.slotycasino.eu) 구리 출장안마 location 영천 출장샵 in the United 김포 출장안마 States, 진주 출장샵 revenue, industry and 상주 출장마사지

    RépondreSupprimer