dimanche 27 juin 2010

دموع ليست للإستهلاك


اليوم مر قرابة شهر على حادثة أسطول الحرية، هذه الحادثة و إن لم تكن الوحيدة في سجل النكسات العربية بصفة عامة و في سجل الاعتداءات الصهيونية على كل ما من شأنه أن يعيد الأمل في الحياة للأطفال و الأبرياء في غزة بصفة خاصة، فإنها أثبتت مرة أخرى أن العرب ينعمون بنعمة النسيان و النسيان بسرعة، و من هذا المنطلق يمكن القول بأن الجميع نسي أو تناسى ما حصل لأسطول الحرية القادم إلى مدينة محاصرة منذ ثلاث سنوات تحت وطأة الجوع و العطش و لا تزال تعاني من مخلفات اعتداءات الرصاص المصبوب، هي إذا هكذا آلام و دموع و دماء الأطفال و الأبرياء تنسى بسرعة لأنها صارت مستهلكة ، قد تبدو كلمة مستهلكة كلمة خارجة عن النص أو في غير محلها لكن في هذه الحالة و حسب تصوري المتواضع أرى أنها في محلها و لي بعض الأدلة على ذلك.
من بين أهم الأدلة و أبرزها تعامل وسائل الإعلام فهي تستغل ما يحدث لزيادة شهرتها و توسيع دائرة متتبعيها و ذلك عن طريق بث الفتن و الإثارة و الانقسام بين مختلف الدول العربية، هذا اضافة لبعض المشاهير الذين يستغلون الظرف لزيادة شهرتهم و يركبون على الأحداث و تصبح القضية قضيتهم الخاصة و يخرجون عنها قصائد و أغاني.
ومن بين الأمثلة المضحكة و المبكية و المخزية كذلك, استغلال بعض المحامين لحادثة أسطول الحرية للشهرة و التعريف بنفسه و النية هنا واضحة هي إشهار مجاني لمكتبه و هي حتما نية تجارية، فهذا المحامي أعلن على أعمدة الصحف أنه رفع قضية في محكمة ابتدائية ببلده ضد نتانياهو على أساس أن أسطول الحرية تم الاعتداء عليه في المياه الإقليمية و قانون بلده يعاقب على هذا النوع من الاعتداء حسب الفصل الذي ذكره هو، هنا قد تكون معالم القضية واضحة و عناصر الإدانة متوفرة فطبعا هو محامي و يعرف ماذا يفعل لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هي : لو فرضنا أن العدالة نزلت فجأة على محاكم و قضاة بلد هذا المحامي و تم الحكم على نتانياهو طبقا للفصول القانونية التي ذكرها ، من سينفذ هذه الأحكام و أين و كيف و متى فقد مر شهر على رفعه للدعوى القضائية و لم نسمع شيئا ؟
بالنسبة لي فالإجابة واضحة فكل ما فعله هذا المحامي هو استغلال ذكي للأحداث و إشهار مجاني لمكتبه على الصفحات الأولى للجرائد و بالخط العريض وهو من المؤكد مدرك تماما لأن نتانياهو لا توجد أي سلطة على هذه الأرض قادرة على محاسبته في ما يخص أعماله الدنيئة ضد شعب و أرض فلسطين.
هذه هي اذا آلام و جراح و أحزان فلسطين منذ سنين و هي تمر أمام أعيننا، فنستغلها كل على طريقته من التاجر إلى المغني إلى الصحفي إلى رجل السياسة لتظل وحدها دماء الفلسطينيين تؤرخ و تكتب وحدها و لا أحد يسمع و لا أحد يرى و نظل شهود صامتين و حتى لو صحنا بأعلى أصواتنا فلا صدى لأصواتنا، و أظن أننا سنظل هكذا إلى أن يأتي يوم قد تختلف فيه الأمور نحو الأسوأ أو نحو الأفضل و يتحول الصمت العربي إلى فعل إيجابي. هذا الفعل الإيجابي الذي صار يأتينا من أطراف أخرى غير عربية صارت تفرض نفسها و تتبنى بكل جرأة قضايا كانت و لا تزال شأنا عربي داخلي هذه الأطراف هي تركيا و إيران و هما أقرب دولتين للعالم العربي جغرافيا و تاريخيا و حتى اجتماعيا، و لعل تدخلهما في الشأن العربي فتح الأبواب للتأويلات و التحاليل و صار طبق حوار ثري في شتى القنوات الإخبارية المختصة و أدلى كل بدلوه في هذا النوع من التدخل.
كل هذه التحاليل تعتبر معقدة و متشعبة يصعب فهمها، لكن مهما كانت هذه التأويلات فالأمر الوحيد الثابت هو مراعاة هذه الدول لمصالحها و هذا أمر طبيعي فرجل السياسة الذي يبحث عن مصالح بلده أفضل من الذي يبحث عن مصالحه الخاصة و نحن العرب "نعيب زماننا و العيب فينا" فلنترك إذا هذه الدول تفعل ما تشاء و تمارس حرياتها لطالما نحن عاجزين عن رد الفعل و عاجزين حتى عن التنديد و الاستنكار اللذان كانا في زمن ليفني سلاحا مسموحا به، فما قاله أردوقان لبيريز في منتدى دافوس يعتبر شيئا جميلا و يشفي الغليل مهما كانت صداقة تركيا لإسرائيل خاصة و أن صداقة هذين البلدين معلنة و ليست خفية كما هو الشأن لدى العالم العربي، كما أن مواقف نجاد ضد الكيان الصهيوني و إن كانت نفاقا أو كذبا كما يروج فإنها تظهر للعالم بشاعة ما تقترفه القوات المحتلة من ممارسات ضد الشعوب و أراضيها. أما الأهم من هذا هي الوقفة الصادقة لشعوب هذه البلدان و تضامنهم مع الشعب الفلسطيني و هنا لا أقصد أن الشعوب العربية لا تتضامن لكن أقصد أن شعوب هته البلدان تجد هامش من الحرية و هذا يحسب لهم للتعبير عن مواقفهم و آرائهم و بالتالي ليس أدل من أسطول الحرية على هامش الحرية الذي يتمتع به شعب تركيا رغم صداقة هذا البلد لإسرائيل فهذا الأسطول رغم أنه و إن وصل إلى أرض فيها أكبر سجن في العالم يأوي ما يقارب مليوني محاصر فلن يحل أزمتها، فقيمته الرمزية أهم و أكبر و هذا كان من بين أسباب الهجوم البشع للكومندوس الإسرائيلي على هذا الأسطول. و هنا أرد على بعض المحللين الذين يوغلون في استعراض الاستراتيجيات الدولية والمصالح الإقليمية و أقول بأن أشخاصا يضحون بأرواحهم في عرض البحر و يتحدون الحصار من غير المنطقي اعتبار ما أقدموا عليه مجرد نفاق و خدمة لمصالح جهة ما، كما أنه من غير العدل في حق هؤلاء البشر الذين وهبوا أرواحهم و عرضوا أنفسهم للقتل و التعذيب و النهب مجرد ناشطين ذهبوا إلى غزة للسياحة فما حدث لهم يثبت أن غايتهم كانت إنسانية مهما كانت نواياهم و نتيجة عملهم و تضحيتهم بدت واضحة من خلال ردود الأفعال الدولية و إن كانت محتشمة و حتى إسرائيل ذاتها اضطرت هذه المرة على إطلاق بعض المبادرات المحتشمة و إن كانت مجرد مسكنات للغضب العالمي عليها و بالتالي ما علينا اليوم هو الوقوف اجلالا و احتراما للشعوب التركية و الترحم على أرواح من قتلوا في أسطول الحرية مهما كانت استراتيجيات حكومتهم و علينا كذلك أخذ العبرة من مبادراتهم لنتحرك و نتخلى عن الصمت و نحترم مشاعر الفلسطينيين لا أن نستغل أزماتهم للشهرة و التجارة، و إن لم نكن قادرين على فعل شيء فعلينا التزام الصمت و ترك الآخرين يتدخلون أيا كان تدخلهم سلبي أم إيجابي فالضرر حاصل ... أتمنى أن يشرق صبح جديد على فلسطين تعود فيه البسمة لأبنائها و يعود اللاجئين إلى أراضيهم و تنفرج أزمة غزة و يعود الوفاق لكل أحزابها و قواها الحية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire