lundi 17 mai 2010

هالو


"هالو" أو
Hello !
هي كلمة بسيطة وصغيرة و جل العالم يعرفها تقريبا، هذه الكلمة في تونس يكثر استخدامها و خاصة في المناطق السياحية و التي يرتادها عدد هام من السياح الذين بدأ عددهم يندر في السنوات الأخيرة، هذه الكلمة و لئن كان من المنطقي استعمالها من قبل عون استقبال في نزل أو منشط سياحي أو بائع بشوش يبيع مصنوعات تقليدية للأجانب، فإنها في الواقع ليست حكرا على هؤلاء بل هنالك من يستعملها أكثر منهم. من يستعمل هذه الكلمة هم فئة من الشباب يتدفقون من كل مكان من أعماق البلاد إلى المدن السياحية، و طبعا ليس للاستجمام و لا حتى بحثا عن شغل، هم أقبلوا من مدنهم و أحيائهم و قراهم حيث تركوا همومهم و مشاكلهم و أحيانا تركوا شهاداتهم الجامعية التي لم تعد تجد نفعا، و لم يجلبوا معهم غير كلمة "هالو" و رصيد لا بأس به من اللغات الأجنبية و رزمة من الأحلام الأماني قد تتحقق و قد لا تتحقق، فقط لتحقيق هذه الأحلام. و هذا ما يجرنا هنا للتساؤل عن علاقة كلمة "هالو" بأحلام هؤلاء الشباب و ما الذي دفعهم لاستعمالها.
"هالو" يمكن اعتبارها كلمة السر كتلك التي استعملها "علي بابا" لفتح مغارة الكنز، و وجه الشبه هنا هو قيمة الأبواب التي ستفتحها هذه لكلمة فهي فعلا مفتاح لمغارة كنز، كنز متمثل في جواز سفر إلى بلدان الذهب، بلدان السيارات ذات الأرقام الأجنبية، بلدان الأضواء و المنازل الفاخرة، بلدان الحسناوات ذوات العيون الساحرة. جواز سفر إلى أرض تنسي زائرها هموم الفقر و البطالة و تفتح له أبواب الثروة و الرفاهة، و تخرجه من دوامة البحث عن شغل و البحث عن ثمن قهوة و علبة سجائر، و تنسيه مناظر القحط و الجفاف في أرضه التي نبت فيها و ارتوى من مياهها و تنشق هوائها. هذا إذن بكل بساطة وجه الشبه بين كلمة "هالو" و كلمة السر التي فتح بها "علي بابا" مغارة الكنز، فالشاب تجده في المناطق السياحية يقضي يومه بلا كلل و لا ملل غير عابئ بالجوع و العطش و غير عابئ بمرور الثواني و الدقائق و الساعات و الأيام و السنين لأن العمر قد مر بطبيعته بعدما التهمته سنوات الدراسة و نهشته أيام البطالة و التسكع، تجده يصول و يجول و ما إن يرى امرأة ذات ملامح أوروبية شابة كانت أو متوسطة أو عجوز في أواخر العمر حتى يلقي كلمة السر "هالو" في الفضاء، و الحظ هنا كفيل بتحديد مصير هذه الكلمة، فإن لم تلتقطها أذن هذه المرأة ذهب في حال سبيله ليكررها مرة أخرى، فإن التقطتها أذن أخرى ينتظر ردة الفعل التي قد تكون سلبية مما يدفعه للمحاولة مرات أخرى إلى أن يجد الأذن الصاغية و القلب المتناغم لتبدأ رحلة الأحلام و يقترب جواز السفر و التأشيرة و أوراق الإقامة و العمل، و هو مدرك كل الإدراك أن تحقيق كل هذا مرتبط بزواجه بالأجنبية التي أوقعتها كلمة السر مهما كان مستواها و مهما كانت عيوبها و مهما كان سنها، لأنه بكل بساطة يمني النفس بأن يطلقها بعد تحقيق أحلامه ليعود إلى أرض الوطن بسيارته الحمراء و يجد خطيبته تنتظره بفارغ الصبر لتطير معه مرة أخرى إلى أرض الأضواء و الرخاء. كل هذه الأفكار تنزل على عقله و قلبه دفعة واحدة في لحظة تجاوب هته السائحة معه، لكنه ينسى أن القوانين الأوروبية الجائرة تجاه كل من يأت من جنوب البحر قد استبقت ما هو بصدد القيام به من مخططات و بالتالي فان أوراق الإقامة و التأشيرة عن طريق الزواج تتطلب سنوات طوال لضمان حقوق تلك العجوز و هذا طبيعي فهم يحمون أبنائهم و المواطن عندهم غالي و ثمين أما الوافدين من وراء البحار هم متخلفون و مشاغبون و برابرة و جائعون هاربون من بلدانهم التي ضاقت بهم ضرعا و لم تعد قادرة على إطعامهم و حمايتهم و هاربون من القمع و الإقصاء في أوطانهم و خاصة منهم العرب الذين يجلبون معهم مشاكل اللغة و الهوية و الإرهاب الذي صار التهمة الأقرب و الأسهل لشن حروب و سجن البشر و تعذيبهم و ممارسة العنف و الميز العنصري على كل عربي تطأ قدماه أرض أوروبا.
إن هذه الطريقة في البحث عن فرصة الهجرة إلى أوروبا و بما ذكرناه عنها من مساوئ تعتبر الأفضل بين الطرق الأخرى و التي لا تخلو من مخاطر، و موضوع الهجرة بصفة عامة موضوع شائك و معقد و قد تم تناوله من قبل مختلف الأطراف و من زوايا مختلفة و تعددت وجهات النظر، لكن الجانب الحساس في هذا الموضوع و الذي يتغافل عنه الدارسون و هو جانب التأشيرة القانونية و أسباب صعوبتها أو استحالتها، و هنا أظن أن عدم التطرق لهذا الجانب من الموضوع قد يكون راجع لغياب عنصر الإثارة و البروباقاندا من خلال الحديث عن مخاطر الإبحار خلسة أو الحديث عن فرص العمل الوهمية و المشاريع الناجحة التي يمكن لكل شاب خريج جامعة أن يبعثها في بلاده و كأن المشاريع بقيت تنتظره منذ عشرين عام و هو في مقاعد الدراسة.
تعتبر تأشيرة السفر إلى أي من الدول الأوروبية أمرا صعب المنال أو مستحيل في أغلب البلدان العربية، و هذا راجع إلى عدة اعتبارات منها الفوارق الاقتصادية الكبيرة و الهوة الكبيرة في شتى المجالات بين ضفتي المتوسط و من الواضح أن الضفة الجنوبية هي الحلقة الأضعف و بالتالي فإن القيود على السفر ستكون أشد من الجانب الأوروبي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي حد يمكن لأوروبا أن تطبق هذه القيود على سفر البشر إليها؟
من الصعب جدا الإجابة على هذا السؤال لأنه يتفرع إلى عدة تساؤلات أخرى يصعب فهمها و تحليلها.
من بين هذه التساؤلات أين هي علاقات الصداقة و الأخوة مع أوروبا؟ و أين الانفتاح و حوار الحضارات الذي تنادي به مختلف العربية ؟
لا أحد يمكنه أن يفهم شروط هذه التأشيرة العجيبة التي لا يقدر على الحصول عليها أي مواطن عادي مهما كانت شهاداته، فلا الماجستير و لا الدكتوراه كافية لنيلها لأن شروطها مالية و تعجيزية بالأساس. و من هنا يمكن أن نستنتج أن أوروبا لا ترغب في دخول العرب إلى أراضيها مهما كانت كفاءاتهم لأنها قد التهمت الكفاءات بما فيه الكفاية و همها الوحيد الآن هو ممارسة كل أساليب التهميش و الميز تجاه العرب بصفة خاصة وباقي المهاجرين بصفة عامة وغلق الأبواب القانونية بإحكام و هي تدرك تمام الادراك أن الأبواب الخلفية تدر عليهم يوميا بما يلفظه البحر من يد عاملة زهيدة قادمة من شمال ووسط افريقيا تعد بالآلاف و هي يد عاملة تساهم في الانتاج دون عناء التغطية الاجتماعية و الصحية فقط قد يتسببون في بعض المناوشات البسيطة وطبعا يذهبون هم ضحايا لهته المناوشات. من هذا المنطلق يمكن أن نفهم أن كل تلك الاتفاقيات و علاقات الصداقة و الأخوة والمبادلات التجارية و الثقافية و حوار الحضارات هي مجرد حبر على ورق ، و يبقى الشاب العربي معلقا بين واقع البطالة و الفقر و سراب الثروة و الرفاهية سواء وراء البحار أو لدى دول الخليج التي تآمرت مع أوروبا على الشباب العربي و أوصدت الأبواب و فضلت الأجناس الأخرى على أساس أنها أكثر خبرة و مهارة و هذا موضوع آخر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire