dimanche 2 janvier 2011

الرديف مدينة الألم....و الأمل

أعادت لي الأحداث الذكرى فأردت أن أعيد ما كتبت ذات مرة عن مدينة كانت سباقة في التعبير عما تعانيه الناس الآن

الرديف مدينة الألم......و الأمل
ككل بلدان شمالا افريقيا و بعض البلدان العربية عاشت تونس فتر ة استعمارية ظلت جاثمة على صدور أجيال و أجيال بل و هناك من عاش عمرا بأسره يحترق بنار الاحتلال بما فيه من ظلم و جور و انتهاك للحقوق و الحرمات، ولئن كانت دوافع الاستعمار الفرنسي في ظاهرها نشر للثقافة الغربية و مبادئ الثورة الصناعية و قيم الثورة الفرنسية بما تشمله من حرية و عدالة و أخوة و مساواة بين البشر طبعا اضافة الى حقوق الانسان و ما أدراكما حقوق الإنسان ، فان هذه الدوافع في الأصل مبنية على نهب الثروات و البحث عن منابع المواد الأولية و المعادن و الأراضي الخصبة وما نشر الثقافة و اللغة و العلوم و الحرية و الديمقراطية الا مطية لتحقيق الأهداف الأصلية المتمثلة في السرقة و الاستيلاء على ما حبا به الله كل أرض في هذه الدنيا من كنوز و خيرات و هذا يبدو جليا حتى في الواقع الاستعماري اليوم بأشكاله الجديدة .
و من هذا المنطلق لم يكن من بد من المستعمر الا البحث عن منابع الثروة و السيطرة عليها بل و النزول بكل ثقله الاستعماري و العسكري و الثقافي في المدن و القرى التي تزخر بهته الثروات و هذا ما يجرنا في ذكرنا لتونس كدولة لم تستثنى من قبل الحركة الاستعمارية الى الحديث عن احدى مناطقها الغنية التي أسالت لعاب المستعمر الفرنسي وهي منطقة الجنوب الغربي أو ما اصطلح على تسميتها بالحوض المنجمي و التي تضم مدن المضيلة، المتلوي، أم العرائس و الرديف هذه الأخيرة و ان لم تكن القطب الصناعي و الاقتصادي بين هته المدن فقد كانت القطب الثقافي و ملتقى الحضارات و الملاذ الأوحد للفئة الكادحة و بالتالي تمتعت بخصوصية ثقافية و اجتماعية مختلفة تماما عن بقية المدن بصفة عامة .
ان مدينة الرديف كمدينة و بلدية تعتبر من أقدم المدن التونسية وأعرقها قد تأسست منذ سنة 1908 حسب بعض المصادر و كان سبب تأسيسها كما أسلفنا الذكر من قبل الفرنسيين للاقتراب من منابع الثروة المتمثلة في الفسفاط هذه المادة الأولية الهامة و الاستراتيجية التي ظلت تحظى بنفس القيمة و الاهتمام الى حد الآن خاصة في مجال الصناعات الكيميائية و بالتالي هي مادة تضاهي في قيمتها كمادة خام بقية المواد و على رأسها البترول، و بحكم أن الاستعمار الفرنسي يملك تجربة سابقة في امتصاص مادة الفسفاط من أهم منابعه الأخرى في مدينة خريبقة المغربية اضافة الى معرفتها مسبقا لوجوده في هته الربوع من البلاد التونسية بعد اكتشافه من قبل البيطري العسكري والمستكشف الفرنسي ’’فييليب توماس’’ قبل أن تحتل تونس بسنوات كانت من أولوياتها بعد معاهدة الحماية لسنة 1881 السيطرة على مناطق الجنوب الغربي و جلب كل الخبرات و المعدات و اليد العاملة التي ستساعدها في نبش الأرض و استخراج ما تحتويه من فسفاط خام ترسله مباشرة عبر السكك الحديدية الى أقرب المواني لتصدير كمية هامة منه الى فرنسا أولا ثم الى دول أخرى حليفة و لها معها تعاون اقتصادي، لن أخوض أكثر في تاريخ المدينة لأنه يصعب علي البحث في أدق التفاصيل و المعلومات و حتى الأحداث التي يرويها كل على مزاجه لكن أكتفي ببعض المعطيات العامة التي تحيلنا على بعض الخصوصيات الاجتماعية التي كان لها تأثير على حياة أهاليها فيما بعد.
من خلال هذه الشذرات من تاريخ الرديف يمكن أن نستنتج أنها أولا خليطا اجتماعيا من مختلف أنحاء المغرب العربي و من شتى أرجاء البلاد التونسية و ثانيا أنها مدينة عريقة تتمتع بموروث ثقافي ثري و تتوفر بها فئة كبيرة من المتعلمين و حاملي الشهادات العليا اضافة الى التحضر الكبير الذي يتمتع به الأهالي .
و لنبدأ بالنقطة الأولى و التي تحيلنا على العدد الكبير من السكان الذين توافدوا على الرديف منذ بداية تأسيسها فمنهم من جاء من أصول مغاربية و ليبية بحثا عن موارد رزق و عمل في المناجم و منهم من جاء من الشمال التونسي و خاصة الشمال الغربي بحكم محدودية الموارد في تلك الربوع و طبعا دون أن ننسى أهالي الجريد ،و هناك أيضا من جاء من الأراضي الجزائرية المجاورة وهم أهالي ولاية وادي سوف وهنا لن أوغل كثيرا في التفرقة بين الأصول و ألقاب العائلات لأنها أمور ثانوية و تبقى الرديف عائلة واحدة و تونس عائلة واحدة، و هنا في الرديف لم يكن هذا التنوع في الأصول و الجذور لييساهم في التفرقة أو الصراع بقدر ما ساهم في الحفاظ على القيم و المبادئ السامية و العريقة و المستمدة من تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف و من أخلاقنا العربية الأصيلة التي لكم كنا في حاجة اليها في زمن التشتت و التشرذم الذي تعيشه الأمة العربية اليوم. و هذا ما يجرنا للحديث عن النقطة الثانية و المتمثلة في تحضر مدينة الرديف.
قد يستغرب البعض و يرى أن كلمة تحضر ليست في محلها أو خارجة عن النص، و على هذا الصعيد أتصور أن التحضر لا يقاس بالبنى التحتية الضخمة و العمارات الشاهقة السيارات الفاخرة، بل و هنالك في تونس مثلا من وصل الى ربط التحضر بوجود المدينة قرب البحر من عدمه، انما يقاس بتعايش الناس بصفة حضارية على اختلاف أصولهم و جذورهم هذا التعايش الذي يكون متسما بالود و الحب و التآخي و العدالة الاجتماعية و هذا ما لمسته شخصيا في الرديف، و من مظاهر التحضر أيضا التي تبدو جلية هي احترام الناس لبعضهم في كل المرافق العمومية و وسائل النقل بغض النظر عن المركز الاجتماعي أو الثراء لذلك عادة ما يكون الجو عائليا وعفويا في مختلف هذه الأماكن و المرافق، هذا اضافة الى تآزر المواطنين فيما بينهم و تعاونهم في أوقات الشدة و الأزمات
أما الخصوصية المميزة و التي هي كذلك مؤشر مهم و محوري لدرجة تحضر المدينة و تقدمها هي وجود العديد من الكفاءات و خريجي التعليم العالي طبعا دون أن ننسى اطارات شركة الفسفاط الذين يضاهون في مستواهم ما هو موجود في الدول المتقدمة نظرا لتطور المعدات و الآليات التي تحت تصرفهم و اليد العاملة المختصة التي يسيرونها، و عدد الخريجين في هذه المدينة لم يكن كبيرا على سبيل الصدفة أو الحظ بل كان نتيجة اهتمام الأولياء بتعليم أبنائهم نظرا لحلمهم بأن يكون أبنائهم من إطارات الشركة و كذلك بفضل التشجيعات المرصودة من قبل الشركة ذاتها للمتفوقين منهم . أما المظهر الأهم من مظاهر تحضر الرديف تمثل في الثقافة النضالية و التعبير عن الرأي سواء الرفض أو التأييد و عدم ترك الأمور تسير بطريقة هامشية و فوضوية دون تحرك الشارع بشجاعة و جرأة للحد من الفساد الإداري و سوء استغلال الصلاحيات من قبل الإداريين و هذا وارد في أي مكان و أي نظام و هذه الثقافة كانت نابعة من موروث نضالي للعمال في عهد الاستعمار وهي في الآن ذاته غريبة بعض الشيء عنا كتونسيين نظرا لأن باق المدن لازالت تعيش نوع من الانكماش و اهتمام كل واحد بنفسه و في أقصى الحالات بمصالح عائلته المصغرة مما يتسبب في تفشي ممارسات سلبية و تجر الى الوراء كالرشوة و المحسوبية هذه الممارسات التي كانت في أواخر سنة 2007 سببا في بداية المشاكل في مدينة الرديف ففي هذا التاريخ كانت فترة انتداب العمال و الاطارات الجدد للعمل بشركة الفسفاط و كانت قد خصصت لهذا الغرض مناظرة حامت حولها الكثير من الشكوك و أثارت الكثير من الجدل حول مدى شفافيتها و درجة مصداقيتها، ومن هذا المنطلق لم يكن من بد لشباب الرديف الا القيام بمسيرات سلمية و حضارية للتعبير عن رأيهم في اطار حر و حضاري و المطالبة بحقهم الشرعي في التشغيل و نفض الغبار على الطريقة المتبعة في انتداب الاطارت الجدد لشركة الفسفاط ، لكن الرد لم يكن في المستوى المطلوب عدى بعض التحويرات و التي فاقمت الأزمة و المتمثلة في آلية المناولة التي زادت في تغذية الصراع و فسح المجال للانتهازيين . مرت الأيام و الشهور وزاد ضباب الأزمة كثافة بوجود التعزيزات الأمنية التي أتت لتفريق المتظاهرين و مع احترامي لمجهوداتهم و عملهم فان وجودهم كان مبني على تقارير أمنية وهمية وتهويل لمسيرات سلمية و حضارية لا تخل بالنظام و لا تمس بمناعة تونسنا العزيزة و لم تعكر صفوها ولا استقرارها و مع تواصل وجود قوات الأمن الداخلي لمدة طويلة تخللتها بعض المناوشات على امتداد الشهور الأولى من سنة 2008 و كثر خلالها الاستفزاز المتبادل بين الشرطة و الأهالي و شهدت القضية تطورات و أصبح موضوعها يتمحور حول عدم التكافؤ في التنمية بين الجهات و كـأن الرديف نطقت نيابة عن حوالي ثلاث أرباع البلاد الونسية التي تعاني من التهميش سواء في البنى التحتية أو مواطن الشغل و المرافق الحياتية الضرورية طبعا باستثناء بعض المدن الساحلية التي تحظى بنسق تنموي مرتفع ، و مع بداية فصل الصيف و بالتحديد ليلة الخميس 5جوان 2008 كان الحدث الأهم حيث يروى أنه حصلت مناوشات بين الشرطة و المشاغبين و في صبيحة اليوم الموالي أي الجمعة 6جوان 2008 كانت المدينة مخربة بالكامل و كانت بعض المحلات التجارية والدكاكين و محلات الاعلامية و الهواتف العمومية مخربة و أبوابها قد تعرضت للخلع مما اضطر المواطنين للتظاهر بصفة أكثر شدة وأكثر غضب و هذا طبيعي بعدما رأوا أنهم تعرضوا لاعتداء جائر و ظالم و في ذلك اليوم كانت المظاهرات كبيرة و المناوشات كثيرة و الاصابات خطيرة وصلت الى حتى مقتل شاب في مقتبل العمر رميا بالرصاص لتشيع جنازته في اليوم الموالي بحضور شعبي منقطع النظير.
بعيدا عن التفاصيل و البحث عن المخطئ أو المصيب فما حدث كان خسارة فادحة وكان مؤلما بل و موجعا و دفعت الرديف ثمن حرية التعبير و لكنها لفتت نظر الحكومة لأمور كانت مخفية رغم تعامل وسائل الاعلام التونسية بعقلية التعتيم و الاستخفاف بالقارئ و المستمع و المشاهد مما فتح الباب لوسائل اعلام أجنبية لتأويل الأمور حسب مزاجها، و مع ذلك تبقى الرديف جزءا لا يتجزأ من تونس الخضراء التي تظل الحضن الدافئ لكل أبنائها و الأم الحنون و النبع الذي لا ينضب و حتى ما بدر من قوات الشرطة كان في اطار عملهم وواجبهم الوطني المقدس في الحفاظ على أمن تونس و استقرارها الذي عرفت به بين الأمم و نوه به في كبرى المحافل الدولية، أما بعد هذا اليوم الدموي بدأت البسمة تعود تدريجيا لأبناء الرديف و عاد الأمل و الطموح يحدو الجميع نحو غد أفضل و ذهب كل الى عمله ليروي بعرقه هذه الأرض الطيبة المعطاء التي تدر اللبن و العسل، لكنه من الطبيعي أن تكون لأحداث كهذه تأثيرات جانبية و لعل من أبرزها تزايد المظاهر السلبية لدى بعض الشباب المستهتر و الفاقد لدينه و دنياه و ما لنا الا أن ندعوا الله العزيز القدير أن يهديهم سواء السبيل و يكف شرهم عن الناس الطيبين و الصالحين.
بعد حوالي سنة من تلك الأحداث عاش فيها الناس في استقرار و سعادة و هناء في جو تسوده الأخوة و المحبة و كاد يمر الصيف بسلام لولا قضاء الله و قدره حيث كانت الفاجعة صبيحة الرابع من شوال 1430 و قد اخترت هذا التقويم عمدا للتذكير بأن ما حدث كان في رابع أيام العيد، تمثلت الفاجعة في سيل جارف من المياه انهمر من مرتفع مشرف على الجهة الغربية من المدينة فكانت درجة تدفق المياه داخل الأحياء كبيرة و قوية نظرا لضعف البنية التحتية أولا و لانعدام القنوات الخاصة بتصريف مياه الأمطار ثانيا و لم يكن السبب تواجد السكان داخل مجرى وادي أو نهر كما روج البعض، مما تسبب في أضرار كبيرة شملت الأرواح و الممتلكات بالنسبة للأرواح فذلك قضاء و قدر و نطلب من الله أن يتغمدهم برحمته الواسعة أما الممتلكات فقد كانت الفئات الضعيفة من أكبر المتضررين نظرا لضعف مبانيهم و كذلك لصعوبة تعويض ما غمرته المياه و ما حطمته السيول الجارفة و الحديث عن الأضرار يطول لكن يجرنا لذكر ردة الفعل الموازية لما حصل ردة فعل تلخصت في محورين أساسيين وهما تعامل وسائل الاعلام مع الحدث و المساعدات التي شملت المدينة بالمناسبة
بالنسبة لوسائل الاعلام فقد كان شعارها العادي التعتيم و التضليل فرغم أن الفاجعة صارت منذ السادسة صباحا فان مختلف الاذاعات الوطنية بما في ذلك اذاعة قفصة الجهوية القريبة من موقع الحدث و كذلك التلفزة الوطنية لم تصدر و لو خبر أو معلومة الى حدود منتصف النهار حيث ورد بيان موحد منسوخ طبق الأصل على كل الوسائل التي أسلفت ذكرها حيث ذكر الخبر بسرعة دون التصريح عن الخسائر الحقيقية و دون ذكر الأرقام الواقعية . أما في المساء و صلت بعض السلطات الرسمية و طبعا كانت مرفوقة بمصورين بارعين ليصوروا الأحداث على طريقتهم الخاصة و يظهروا تأثر هؤلاء المسؤلين و تعاطفهم المزعوم و يسجلون خطاباتهم الكاذبة
أما المساعدات فقد كانت ظرفية و أقبلت الشاحنات محملة بمواد غذائية و أغطية و أشياء لا تغني من فقر و لاتسمن من جوع و كانت العدسات و الكامرات تتابعها بحرفية و اخراج متميز اضافة الى اكساء هذه الشاحنات و توشيحها باللافتات و الصور و الأعلام و الشعارات لتوزع هذه المساعدات بطريقة عشوائية لأنها أرسلت أصلا للتصوير و الاخراج و الترويج في النشرات الاخبارية لا للتوزيع على المحتاجين ، و الناس لم تنته حاجتهم للمساعدة في ذلك اليوم فحسب و لم تقتصر على أغطية و علب مصبرات انما هم في حاجة الى دعم أكبر لأن الخسارة أكبر و تتطلب مواد أولية للبناء و اعادة الاعمار وهي مواد يستدعي تمويلها امكانات مالية هامة يصعب توفيرها على السواد الأكبر من المتضررين، لذلك أتمنى أن يتلقى من يستحق المساعدة التمويلات اللازمة و أتمنى أن تعود البسمة و الأمل للجميع و لتبقى هذه الأحداث درسا و عبرة لمدينة الرديف التي عاشت على وقع الألم وكذلك درسا لباقي المدن و الأرياف والقرى ليعم التضامن و التآخي و التحابب و لتبقى تونس أرضا للأخوة و التآزر و المحبة كما أتمنى من كل من عاش الألم أن يحس ولو بالقليل مما يعانيه أطفال و غزة بصفة خاصة وباقي شعوب العالم المضطهدة و الضعيفة بصفة عامة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire